كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والملحدون يقولون: إن الرجم قتل وحشي لا يناسب الحكمة التشريعية، ولا ينبغي أن يكون مثله في الأنظمة التي يعامل بها الإنسا. لقصور إدراكهم عن فهم حكم الله البالغة في تشريعه.
والحاصل- أن الرجم عقوبة سماوية معقولة المعنى. لأن الزاني لما أدخل فرجه في فرج في فرج امرأة على وجه الخيانة والغدر، فإنه ارتكب أخس جريمة عرفها الإنسان بهتك الأعراض، وتقذير الحُرمات، والسعي في ضياع أنساب المجتمع الإنساني. والمرأة التي تطاوعه في ذلك مثله. ومن كان كذلك فهو نجس قذر لا يصلح للمصاحبة. فعاقبه خالقه الحكيم الخبير بالقتل ليدفع شره البالغ غاية الخبث والخسة، وشر أمثاله عن المجتمع. ويطهره هو من التنجيس بتلك القاذورة التي ارتكب، وجعل قتلته أفظع قتلة. لأن جَرِيمته أفظع جريمة- والجزاء من جنس العمل.
وقد دل المطهر على أن إدخال الفرج في الفرج المأذون فيه شرعًا يوجب الغسل، والمنع من دخول المسجد على كل واحد منهما حتى يغتسل بالماء. فدل ذلك أن ذلك الفعل يتطلب طهارة في الأصل، وطهارته المعنوية إن كان حرامًا قتل صاحبه المحصن. لأنه إن رجم كفر ذلك عنه ذنب الزنى، ويبقى عليه حق الآدمي. كالزوج إن زنى بمتزوجة، وحق الأولياء في إلحاق العار بهم كما أشرنا له سابقًا. وشدة قبح الزنى أمر مركوز في الطبائع، وقد قالت هند بنت عتبة وهي كافرة: ما اقبح ذلك الفعل حلالًا! فكيف به وهو حرام! وغلظ جلَّ وعلا عقوبة المحصن بالرجم تغليظًا أشد من تغليظ عقوبة البكر بمائة جلدة. لأن المحصن قد ذاق عُسَيْلة النساء، ومن كان كذلك يعسر عليه الصبر عنهن. فما كان الداعي إلى الزنى أعظم، كان الرادع عنه أعظم وهو الرجم.
وأما جلد الزاني البكر ذكرًا كان أو أنثى مائة جلدة- فهذا منصوص بقوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] الآية. لأن هذه العقوبة تردعه وأمثاله عن الزنى، وتطهره من ذنب الزنى كما تقدَّم.
وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل ما يلزم الزناة من ذكور وإناث، وعبيد وأحرار في سورة النور.
وتشريع الحكيم الخبير جل وعلا- متشمل على جميع الحكم من درء المفاسد وجلب المصالح، والجري على مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات، ولا شك أن من أقوم الطرق معاقبة فظيع الجناية بعزظيم العقاب جزاءً وفاقًا.
ومن هدي القرآن للتي هي أقوم: هدية إلى أن التقدم لا ينافي التمسك بالدين. فما خيله أعداء الدين لضعاف العقول ممن ينتمي إلى الإسلام: كم أن التقدم لا يمكن إلا بالانسلاخ من دين الإسلام- باطل لا أَساس له، والقرآن الكريم يدعو إلى التقدم في جميع الميادين التي لها أهمية في دنيا أو دين. ولكن ذلك التقدم في حدود الدين، والتحلي بآدابه الكريمة، وتعاليمه السماوية. قال تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] الأية، وقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ياجبال أَوِّبِي مَعَهُ والطير وَأَلَنَّا لَهُ الحديد أَنِ اعمل سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السرد واعملوا صَالِحًا} [سبأ: 10-11] الآية. فقوله: {أَنِ اعمل سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السرد} يدل على الاستعداد لمكافحة العدو، وقوله: {واعملوا صَالِحًا} يدل على أن ذلك الاستعداد لمكافحة العدو في حدود الدين الحنيف. وداود من أنبياء سورة الأنعام المذكورين فيها في قوله تعالى: {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ} [الأنعام: 84] الآي، وقد قال تعالى مخاطبًا لنبينا صلى الله عليه وسلم وعليهم بعد أن ذكرهم: {أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الأنعام: 90].
وقد ثبت في صحيح البخاري عن مجاهد أنه سأل ابن عباس رضي الله عنهما من اين أخذت السجدة في ص فقال: أو ما تقرأ {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ} {أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده} فسجدها داود، فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فدل ذلك على أنا نخاطبون بما تضمنته الاية مما امر به داود. فعلينا ان نستعد لكفاح العدو مع التمسك بديننا، وانظر قوله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] فهو أمر جازم بإعداد كل ما في الاستطاعة من قوه ولو بلغت القوة من التطور ما بلغت. فهو أمر جازم بمسايرة التطور في الأمور الدنيوية، وعدم الجمود على الحالات الأول إذا طرأ تطور جديد. ولكن كل ذلك مع التمسك بالدين.
ومن أوضح الأدلة في ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاة فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ وليأخذوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أخرى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] الآية. فصلاة الخوف المذكورة في هذه الآية الكريمة تدل على لزوم الجمع بين مكافحة العدو، وبين القيام بما شرعه الله جلًّ وعلا من دينه. فأمره تعالى في هذه الآية بإقامة الصلاة في وقت التحام الكفاح المسلح يدل على ذلك ايضًا دلالة في غاية الوضوح، وقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثبتوا واذكروا الله كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} [الأنفال: 45] فأمره في هذه الآية الكريمة بذكر الله كثيرًا عند التحام القتال يدل على ذلك ايضًا دلالة واضحة. فالكفار خيلوا لضعاف القعول أن النسبة بين التقدم والتمسك بالدين، والسمت الحسن والأخلاق الكريمة- تباين مقابلة كتباين النقيضين كالعدم والوجود، والنفي الإثبات. أو الضدين كالسواد والبياض، والحركة والسكون. أو المتضئقين كالأبوة والبنوة، والفوق والتحت. أو العدم والملكة كلابصر والعمى.
فإن الوجود والعدم لا يجتمعان في شيء واحد في وقت واحد من جهة واحدة، وكذلك الحركة والسكون مثلًا. وكذلك الأبوة والبنوة. فكل ذات ثبتت لها الأبوة لذات استحالت عليه البنوة لها، بحيث يكون شخص ابًا وابنًا لسخص واحد. كاستحالة اجتماع السواد والبياض في نقطة بسيطة، او الحركة والسكون في جرم. وكذلك البصر والعمى لا يجتمعان. فخيلوا لهم أن التقدم والتمسك بالدين متباينان تباين مقابلة، بحيث يستحيل اجتماعهما. فكان من نتائج ذلك انحلالهم من الدين رغية في التقدم. فخسروا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.
والتحقيق- أن النسبة بين التقدم والتمسك بالدين بالنظر إلى العقلوحده، وقطع النظر عن نصوص الكتاب والسنة- إنما هي تباين المخالفة، وضابط المتابينين تباين المخالفة أن تكون حقيقة كل منهما في حد ذاتها تباين حقيقة الآخر، ولكنهما يمكن اجتماعها عقلًا في ذات أخرى. كالبياض والبرودة، والكلام والقعود، والسواد والحلاوة.
فحقيقة البياض في حد ذاتها تباين حقيقة البرودة، ولكن البياض والبرودة يمكن اجتماعهما في ذات واحدة كالثلج.
وكذلك الكلام والقعود فإن حقيقة الكلام تباين حقيقة القعود، مع إنكان أن يكون الشخص الواحد قاعدًا متكلمًا في وقت واحد. وهكذا. فالنسبة بين التمسك بالدِّين والتقدم بالنظر إى حكم العقل من هذا القبيل، فكما أن الجرم الأبيض يجوز عقلًا أن يكون باردًا كالثلج، والإنسان القاعد يجوز عقلًا ان يكون متكلمًا، فكذلك المتمسك بالدين يجوز عقلًا أن يكون متقدمًا. إذ لا مانع في حكم العقل من كون المحافظ على امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، مشتغلًا في جميع الميادين التقدمية كما لا يخفى، وكا عرفه التاريح للنبي صلى الله عليه وسلم واصحابه ومن تبعهم بإحسان. أما بالنظر غلى نصوص الكتاب والسنة كقوهل تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ} [الحج: 40] الآية، وقوله: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين} [الروم: 47]، وقوله: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} [الصافات: 171-173]، وقوله: {كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21]، وقوله: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد} [غافر: 51] الآية، وقوله: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} [التوبة: 14]، ونحو ذلك من الآيات وما في معناها من الأحاديث.
فإن النسبة بين التمسك بالدين والتقدم، كالنسبة بين الملزوم ولازمه. لأن التمسك بالدين ملزوم للتقدم، بمعنى أنه يلزم عليه التقدم، كما صرحت به الآيات المذكورة. ومعلوم أن النسبة بين الملزوم ولازمه لا تعدو أحد أمرين: إما أن تكون المساواة أو الخصوص المطلق، لأن الملزوم لا يمكن أن يكون أعم من لازمه. وقد يجوز أن يكون مساويًا له أو أخص منه، ولا يتعدى ذلك. ومثال ذلك: الإنسان مثلًا، فإنه ملزوم للبشرية والحيوانية، بمعنى أن الإنسان يلزم على كونه إنسانًا أن يكون بشرًا وأن يكون حيوانًا، وأحد هذين اللازمين مساو له في الماصدق وهو البشر. والثاني أعم منه ماصدقًا وهو الحيوان، فالإنسان أخص منه خصوصًا مطلقًا كما هو معروف.
فانظر كيف خيلوا لهم أن الربط بين الملزوم ولازمه كالتنافي الذي النقيضين والضدين. وأطاعوهم في ذلك لسذاجتهم وجهلهم وعمى بصائرهم، فهم ما تقولوا على الدين الإسلامي ورموه بما هو منه بريء إلا لينفروا منه ضعاف العقول ممن ينتمي للإسلام ليمنكنهم الاستيلاء عليهم، أهم لو عرفوا الدِّين حقًا واتبعوه لفعلوا بهم ما فعل أسلافهم بأسلافهم، فالدين هو هو، وصلته بالله هي هي، ولكن المنتسبين إليه في جل أقطار الدنيا تنكروا له، ونظروا إليه بعين المقت والازدارء. فجعلهم الله أرقاء للكفرة الفجرة. ولو راجعوا دينهم لرجع لهم عزهم ومجدهم، وقادوا جميع أهل الأرض. وهذا مما لا شك فيه {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ ولكن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد صلى الله عليه وسلم: 4 [.
ومن هدي القرآن للتي هي أقْوَم- بيانه أ، ه كل من اتبع تشريعًا غير التشريع الذي جاء به سيد ولد آدم محمد ابن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه.
فاتباعه لذلك التشريع المخالف كفر بواح، مخرج عن الملة الإسلامية. ولما قال الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم: الشة تصبح ميتة من قتلها؟ فقال لهم: «الله قتلها» فقالوا هل: ماذبحتم بأيديكم حلال، وما ذبحه الله بيده الكريمة تقولون إنه حرام! فأنتم إذن أحسن من الله!؟- أنزل الله فيهم قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121] وحذف الفاء من قوله: {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} يدل على قسم محذوف على حد قوله الخلاصة:
واحذف لدى اجتماع شرط وقسم ** جَواب ما أخرت فهو ملتزم

إذ لو كانت الجملة جوابًا للشرك لاقترنت بالفاء على حد قوله في الخلاصة أيضًا:
واقرن ببفا حتمًا جوابًا لو جعل ** شرطًا لأن أو غيرها لم ينجعل

فهو قسم من الله جلَّ وعلا أقسم به على أن من اتبع الشيطان في تحليل الميتة أنه مشرك، وهذا الشرك مخرج عن املة بإجماع المسلمين، وسيوبخ الله مرتكبه يوم القيامة بقوله: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بني آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشيطان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [يس: 60] لأن طاعته في تشريعه المخالف للوحي هي عبادته، وقال تعالى: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا} [النساء: 117] أي ما يعبدون إلا شيطانًا، وذلك باتباعهم تشريعه. وقال: {وكذلك زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ المشركين قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ} [الأنعام: 137] الآية، فسماهم شركاء لأنهم أطاعوهم في معصية الله تعالى. وقال عن خليله {يا أبت لاَ تَعْبُدِ الشيطان} [مريم: 44] الآية، أي بطاعته في الكفر والمعاصي. ولما سأل عدي بن حاتم النَّبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا} [التوبة: 31] الآية، بين له أن معنى ذلك أنهم أطاعوهم في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم. والآيات بمثل هذا كثيرة.
العجب ممن يحكم غير تشريع الله ثم يدعي الإسلام. كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت وَقَدْ أمروا أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشيطان أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلًا بَعِيدًا} [النساء: 60]، وقال: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ الله فأولئك هُمُ الكافرون} [المائدة: 44]. وقال: {أَفَغَيْرَ الله أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الذي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الكتاب مُفَصَّلًا والذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بالحق فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين} [الأنعام: 114].
ومن هدي القرآن للتي هي أقوم- هديه إلى أن الرابطة التي يجب أن يعتقد أنها هي التي تربط بين أفراد المجتمع، وأن ينادى بالارتباط بها دون غيرها إنما هي دين الإسلام. لأنه هو الذي يربط بين أفراد المجتمع حتى يصير بقوة تلك الرابطة جميع المجتمع الإسلامي كأنه جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر ولحمى.
فربط الإسلام لك بأخيك كربط يدك بمعصمك، ورجلك، بساقك. كما جاء في الحديث عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: «إن مثل المؤمنين في تراحمهم وتعاطفهم وتوادهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» ولذلك يكثر في القرآن العظيم إطلاق النفس وإرادة الأخ تنبيهًا على أن رابطة الإسلام تجعل أخا المسلم كنفسه. كقوله تعالى: {وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ} [البقرة: 84] الآية، أي لا تخرجون إخوانكم، وقوله: {لولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المؤمنون والمؤمنات بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [النور: 12] أي بإخوانكم على أصح التفسرين، وقوله: {وَلاَ تلمزوا أَنفُسَكُمْ} [الحجرات: 11] الآية، أي إخوانكم على أصح التفسرين وقوله: {وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 188] الآية، أي لا يأكل أحدكم مال أخيه، إلى غير ذلك من الآيات. ولذلك ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
من الآيات الدالة على أن الرابطة الحيقية هي الدين، أن تلك الرابطة تتلاشى معها جميع الروابط النسبية والعصبية: قوله تعالى: {لاَّ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانوا آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22] إذ لا رابطة نسبيه اقرب من رابطة الآباء والأبناء والإخوان والعشائر. وقوله: {والمؤمنون والمؤمنات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ} [التوبة: 71] الآية، وقوله: {إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] وقوله: {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103] الآية، إلى غير ذلك من الآيات.
فهذه الآيات وأمثالها تدل على أن النداء برابطة أخرى غير الإسلام كالعصبية المعروفة بالقومية- لا يجوز ولا شك أنه ممنوع بإجماع المسلمين.
ومن أصرح الأدلة في ذلك: ما رواه البخاري في صحيه قال: باب قوله تعالى: {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الأعز مِنْهَا الأذل وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ولكن المنافقين لاَ يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 8] حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان قال: حفظناه من عمرو بن دينار قال: سمعت جابر ين عبد الله رضي الله عنهما يقول: كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار. فقال الأنصاري: يا للأنصار!! وقال المهاجري: يا للمهاجرين!! فسمِّعها الله رسوله قال: «ما هذا؟» فقالوا: كسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «دعوها فإنها منتنة» الحديث.